التصوير الضوئى
التصوير الضوئى طريقة عملية لإنتاج صورة عن غرض ما بالإستفادة التأثير الذى يحدثه الضوء فى مادة حساسة. اشتق المصطلح الأجنبى من كلمتين يونانيتين "photos" أى الضوء و"graphin" أى النقش أو الكتابة.واول من أطلق هذا المصطلح الفلكى الإنجليزى جون هيرشل عام 1636م.
لمحة تاريخية:
إن ظاهرة تكون خيال مقلوب للأشياء ترسمه أشعة الضوء فى حال مرورها من ثقب صغير جداً إلى حيز مظلم معروفة منذ القديم، ويذكر أن أرسطو لاحظ هذه الظاهرة وأشار إليها .وبرهنها العالم الرياضى العربى محمد بن الحسن بن الهيثم فكان أول من كتب تفسيراً لظاهرة الغرفة المظلمة وإمكانية تطبيقها علمياً وأثبت أن الرؤية تتم من انعكاس الضوء عن الأجسام ومروره من خلال حدقة العين الخلفى (شبكية العين)، على النحو الذى تشير إليه المخطوطات المنسوبة إليه. وقد استفاد الفنانون التشكيليون الإيطاليون فى القرن الخامس عشر من ظاهرة الغرفة المظلمة لرسم الأشكال الخارجية عبر ثقب فى جدارها. وأعقب ذلك تجارب ومحاولات تحسين مستمرة انتهت إلى استخدام العدسات والحجاب الحاجز diaphragm للتحكم بفتحة العدسة وزيادة وضوح الصورة وتكونت بذلك العناصر الثلاثة الأساسية للتصوير الضوئى:العدسة، والحجاب، والسطح الذى تتكون عليه الصورة فى الغرفة المظلمة (الكاميرا).وحين يكون ذلك السطح مطلياً بمادة حساسة للضوء ، مثل أملاح الفضة أو الفوسفور فإن الضوء المسلط عليها يحدث فى بنيتها تغيرات يمكن تظهيرها وتثبيت معالمها بالمعالجة الكيمياوية. وتطلب الوصول إلى هذه المسلمات زمناً ناهز القرنين ، حين توصل المخترع الفرنسى جوزيف نيسفور نيبس إلى حل مشكلة تثبيت الصورة باستخدام نوع خاص من القار bitum ويتصلب ويغدو لونه أبيض عند تعرضه لضوء الشمس، وسميت طريقته تلك >>التصوير الشمسى<< وكانت النتيجة حصول أول صورة ضوئية شمسية لمنظر طبيعى فى التاريخ عام 1827م. وتوصل داغير عام 1837م إلى طلاء صفيحة من النحاس بالفضة وتظهيرها ببخار الزئبق ثم تثبيتها بملح الطعام، وعرفت الصور المنتجة بهذا الأسلوب بالصور الداغيرية، غير أنها لم تكن قابلة للتكرار أو النسخ. وفى الحقبة نفسها توصل مخترع إنجليزى يدعى وليم فوكس تالبوت إلى صنع صورة سالبة ورقية، وطبع صورة موجبة نقية عنها بالتماس المباشر فى جهاز خاص، واستخدام أملاح ثيوكبريتات الصوديوم (الهيبوسولفيت) لتثبيت الصورة. وأقام بعد ذلك معملاً لنسخ الصور، ونشر كتاباً يبين فيه طريقته فى التصوير. وتعد هذه الخطوة انطلاقة فن التصوير الضوئى وانتشاره فى العالم. واستمر الباحثون والمختبرات على مدى القرن والنصف الماضيين فى العمل على إدخال تحسينات كبيرة على فن التصوير الضوئى وأجهزته والمواد والافلام المستخدمة حتى بلغ مبلغه اليوم.
تطوير التصوير الضوئى وتطبيقاته:
كان التصوير الضوئى منذ ظهوره موضع جدل حول مكانته بين الفنون المختلفة, ولاسيما فى بداياته. ووجد فيه بعض الفنانين، ومنهم تالبوت، طريقة عملية لتصحيح أخطاء الرسم اليدوى بقلم الرصاص، وأطلق تالبوت على تجربته تلك اسم «قلم الطبيعة»، وجاراه في ذلك كثيرون. وتفنن المصورون التشكيليون في اعتماد هذا المبدأ، وسادت الأفكار الفنية التي تدعو إلى تصوير الطبيعة بهذا الأسلوب في لوحات تحاكي التصوير التشكيلي طوال الحقبة الأولى من تاريخ التصوير الضوئي.
تلك اسم >>قلم الطبيعة<<، وجاراه فى ذلك كثيرون. وتفنن المصورون التشكيليون فى اعتماد هذا المبدأ, وسادت الأفكار الفنية التى تدعو إلى تصوير الطبيعة بهذا الأسلوب فى لوحات تحاكى التصوير التشكيلى طوال الحقبة الأولى من تاريخ التصوير الضوئى.
تصوير الأشخاص:
الأمر الذى مكن المصورين الضوئيين من الدخول فى تجارب فنية رائعة. وانفردت الصورة الشخصية portrait بنسبة كبيرة من الصور الضوئية التى أبدعت فى القرن التاسع عشر, سواء بالطريقة الداغرية أو التالبوتية. وكان الاسكتلنديان دافيد أوكتافيوس هل وروبرت ادامسون من أوائل من أقام مشروعاً شالاً لتصوير الشخصيات على ورق التصوير, حين التقطا صوراً شخصية للمشاركين فى أول اجتماع للهيئة العامة لكنيسة اسكتلندة الحرة عام 1843م.
ومن أشهر مصورى الشخصيات الفرنسى نادار الذى أنجز عام 1850م سلسلة صور متميزة لشخصيات مشهورة فى عهد نابليون الثالث فى فرنسا, وكذلك المصورة جوليا كاميرون التى تميزت بأسلوبها التعبيرى من دون التركيز على التفاصيل, ممهدة الطريق امام الرمزية فى التصوير الضوئى. ومن مصورى الشخصيات المشهورين فى القرن التاسع عشر الأمريكى ماثيو برادى الذى سجل صوراً موثقة لشخصيات الحرب الأهلية الأمريكية.
تصوير المناظر والتصوير الطبوغرافى:
صممت آلة التصوير أصلاً للحصول على وصف بصرى موثق للطبيعة بمناظرها الريفية والمدنية. وراجت الأعمال الفنية فى هذا المجال حتى غداً تصوير المناظر الطبيعية والمعالم الأثرية والطبوغرافية والأبنية التاريخية صناعة رابحة. ولفت سحر الشرق والحضارات الشرقية اهتمام المصورين والفنانين الغربيين عامة,فسجلوا بصورهم معالم كثيرة منها, وخاصة فى ربوع بلاد الشام والعراق ومصر والمغرب العربى وفى الصين والهند وغيرها, ومن هؤلاء المصور الفرنسى شارلييه الذى ألتقط مجموعة كبيرة من الصور فى سوريا ولبنان وخاصة دمشق.
الصور الوثائقية:
تعد الصورة الضوئية وثيقة مهما كان موضوعها لكونها شاهداً قوياً على لحظة تاريخية حدثت فى زمان ومكان محددين. وحقق المصورون عامة والغربيون منهم خاصة إنجازات ضخمة فى مجال التوثيق بالصور, ووثقت آلة التصوير أحداثاً كثيرة مهمة كالحروب والنزاعات المحلية وحوادث الطائرات وكثيراً من المهن اليدوية التى زالت أو فى طريقها إلى الزوال, كذلك استخدام التصوير الضوئى فى البحث العلمى وتصوير الحالات المرضية وتطور الأحياء وغير ذلك. وكان للتصوير بالأشعة السينية أثر كبير فى تطوير الدراسات الطبية والتشخيص المرضى.
مدارس التصوير الضوئى:
رافق انتشار فن التصوير الضوئى واستخدام السلبيات وتحسين أساليب طبع الصور وتكبيرها ظهور اتجاهات متعددة فى تجويد العمل الفنى, وانقسم المصورون الضوئيون إلى محترفين وهواة, وتنوعت تجاربهم ودراساتهم. وظهرت إلى الوجود عدة مدارس فنية تسعى كل واحدة منها إلى إثبات توجهها فى عالم التصوير. ومن هذه المدارس:
المدرسة الطبيعية:
تزعمها المصور الإنجليزى بيتر إمرسون الذى رفض ربط بين التصوير الزيتى والضوئى على نحو ما كان شائعاً, وفضل أسلوب التصوير المباشر لموضوعات الطبيعة وإبراز النواحى الجمالية فيها بالتناسق بين الظل والنور. وبرزت إلى جانب ذلك فكرة جديدة تدعو إلى العفوية و"اللقطة السريعة" فى توثيق المناظر ومظاهر الحياة فيها, الأمر الذى ألهم المصورين الفنانين ملاحظة الطبيعة بطريقة جديدة, ويعد المصور الفرنسى بول مارتان من رواد مصورى اللقطة السريعة فى أواخر القرن التاسع عشر.
الحركة الانفصالية:
ظهر فى نهاية القرن التاسع عشر اتجاه فنى دولى يدعو غلى رفع مستوى التصوير الضوئى وتصنيفه فى جملة الفنون الجميلة. وكان المنادون بهذا الاتجاه يطمحون غلى تسوية بين كمال البصريات وعمليات تظهير الصور وطبعها بحيث يترك للمصور حرية معالجة الصورة والتعامل معها لتكون نظيراً للوحات التى ينتجها الفنانون التشكيليون بتقنيات أخرى. وتنادى بعض المصورين الضوئيين إلى التكاتف والاتحاد فى جمعيات تدافع عن مبادئهم . وكان من أوائل هذه الجمعيات "نادى باريس" الذى تأسس عام 1883م,ونادى الكاميرا ونادى كاميرا فيينة 1891م وغدت المعارض المتبادلة أساس نشاط هذه الجمعيات. وفى عام 1902م وأسس ألفرد شتيغلتز جماعة "انفصاليو الصورة" فى نيويورك وانضم إليها عدد من المصورين الشباب الموهوبين، وأصدروا "مجلة الكاميرا" وأقاموا ثلاث صالات لعرض صور المجموعة إلى جانب صور الجمعيات الانفصالية الأخرى.
المذهب التقنى وثوريات التصوير:
ترك الاضطراب السياسى والفكرى الذى خلفته الحرب العالمية الأولى بصماته على التصوير الضوئى الذى تحول إلى أداة تحريض ودخل فى تجارب تجريدية "سيريالية" على أيدى المهنيين والثوريين، وسخر لشتى الأغراض السياسية والطوبارية. فقد استخدم المصور الروسى ألكسندر روشنكو الكاميرا أداة للدعاية للثورة, واستعمل المصور الألمانى ليزل موهولى ناجى فن اللصق والتجريد والتلاعب بدرجات الضوء والتباين فى خدمة الموضوعات التى صورها, واستغل المصورون الإيطاليون التصوير الحركة الفنية, فكانت صوره الأولى دادائية المذهب لغموضها وبعدها عن العقلانية, ولكنه غداً بعد زيارته باريس زميلاً لحركة التجريديين. وأضفى لى صوره نوعاً من الغموض وسماها "الأشعة المرسومة" أو "التشميس".
الصفائيون:
عارض مصورون كثيرون أعمال راى وروشنكو، وتمسكوا بدور آلة التصوير الأساسى الذى يقتصر على تسجيل الحقيقة كما هى بصفائها ووضوحها، ونأوا بأنفسهم عن الخضوع لأى تأثيرات أخرى, أو اللجوء إلى الخدع والصنعة والتدخل فى تفاصيل الصورة بأى شكل من الأشكال، وأطلقوا على أنفسهم اسم"الصفائيون", عام 1920م فاستبدل بعدسات كاميرته القليلة التباين عدسات شديدة الوضوح قادرة على إبراز درجة من الصفاء لم تألفها عين الإنسان. وفى عام 1932 صار وستون عضواً مؤسساً فى جماعة "فتحة العدسة64"F/64 مع آنسل آدامز ويلارد فان دايك واختاروا الاسم استناداً إلى فتحة العدسة الصغيرة جداً التى تمنح حقل الرؤية عمقاً كبيراً.
التصوير الضوئى والطباعة:
لم يعد التصوير الضوئى منذ بداية القرن العشرين قاصراً على هواية أو الاحتراف للحصول على صور تذكارية أو لوحات فنية، إذ تبنته الحياة العلمية والثقافة الشعبية, وصار للصور الإخبارية والإعلانية مكانتها فى الصحف والمجلات, وقللت من أهمية المصورين الفنانين الذين يهدفون إلى إنتاج صور فنية أخاذة. وتميزت صور مجلات الأزياء بصورها الضوئية التى حلت محل الرسوم التى كان يرسمها فنانون متخصصون, وبرز فى هذا المضمار مصورون ضوئيون موهوبون, وخاصة فى ألمانية ووسط أوروبا, وازداد الطلب على أمثالهم فى مجلات الأخبار المصورة والمجلات الاجتماعية وساعد استعمال لفيلم الملفوف من قياس 35مم بدلاً من ألواح الزجاج الحساسة فى منح المصورين حرية أكبر وتزويد الصحف ودور النشر بأعداد كبيرة من الصور المنوعة التى احتلت مكانة مهمة فى الكتب المختلفة وخاصة العلمية والفنية منها.
تطور التصوير الضوئىبعد الحرب العالمية الثانية:
شهد التصوير الضوئى منذ منتصف القرن العشرين قفزات كبيرة فى تقنياته وأساليبه وأدواته, وصار الإحساس بالقيم الشكلية موضع عناية أكثر من العمل الجرافيكى. واحتل التصوير الملون مكانته المرموقة بفضل تقدم تقانيات التظهير والطبع وشرائح العرض. وصور الضوئية الملونة العلمية والفنية ومجلات الأزياء الزخرفة "الديكور"وفى الدعاية والإعلان. غير أن التصوير بالأسود والأبيض ظل يحتل مكانته رمزاً للتصوير الضوئى الفنى الأصيل. وتعددت طرائق التصوير واتجاهاته باستخدام تقانيات مبتكرة, وبرع المصورون فى استنباط أساليب خلاقة واستخدام المرشحات اللونية والعدسات الخاصة لتصوير لوحات فنية مثل تكرر المنظر فى الصورة الواحدة واللصقcollage والتشميس والضبابية flouage وغير ذلك، وازدادت أبعاد الصور حتى شاعت صناعة اللوحات الجدارية والصور التكوينية والتجريدية البعيدة عن المفهومات التقليدية.